الأخبار
بيت الوفاء ... خديجة الكبرى

بيت الوفاء ... خديجة الكبرى

 تاريخ النشر : 18 تموز 2019  عدد الزيارات: 3600  طباعة الخبر

 

شريكة في الوفاء عظيمة في العطاء صابرة مجاهدة كان لها دور فاعل في ترسيخ دعائم الدين وإعلاء كلمة رب العالمين، سيدة تشرف بأن يذكرها التاريخ ويزين صفحاته بأسمها الخالد , صاحبة القلب الرحيم رمز الإخلاص والتضحية، ام تفاخر الجميع بها وبما قدمت تلك هي زوج الرسول(ص) وام السيدة البتول(ع) الطاهرة النقية خديجة الكبرى(ع) ابنة خُويلد ابن أسد ابن عبد العُزّى ابن قُصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، والدتها هي فاطمة بنت زائدة بن أصمّ بن رواحه بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، كانت سيّدة جليلة مشهود لها بالفضل والبرّ.

هذه السيّدة العظيمة تنتسب إلى قريش ويلتقي نسبها بنسب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عند جدّها الثالث من أبيها، وعند جدّها الثامن من أمّها .

ولدت خديجة (رضي الله عنها) قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنحو خمس عشرة سنة (عام 68 قبل الهجرة الشريفة. نشأت في بيت طاهر طيب الأعراق ، على أكمل السير المحمودة وأحسن الأخلاق ، فكانت (رضي الله عنها) متكاملة حسنا وعقلا ، وجمالا وفضلا ، حازمة رشيدة في جميع أمورها ، حسنة التدبير والتصرف في جميع شؤونها ، ذات فراسة قوية ، وهمة علية ، لها نظر ثاقب ، ومعرفة دقيقة بالعواقب ، أغناها الله تعالى بسعة النعم ، وكثرة الخدم والحشم ، ومن عليها ذو الجلال  بكثرة الأموال ، فكانت تستأجر الرجال ، ليتاجروا في ذلك بالحلال ، فتضاربهم عليه بشئ معلوم ، ويستفيد بذلك الجميع على العموم ، وظهرت أسرار تلك الأخلاق المرضية ، والأوصاف الحسنة الزكية ، فيما بلغته بين قومها في الجاهلية ، من مكانة علية ، ورتبة سنية ، وشهرة قوية ، فهي الدرة الثمينة الطاهرة .

ومن الأديان السائدة في الجزيرة العربية حينذاك وخاصة في مكة عبادة الأوثان ويقال لعبدتها المشركون ، ويليهم في الكثرة الأحناف الذين بقوا على دين أبيهم إبراهيم الخليل (عليه السلام) ويدينون الله سبحانه وتعالى به ، ويليهم النصارى ، واليهود ، والصابئة وقليل منهم يدينون بالركوسية ، وهي خليط من عقائد الصابئة والنصرانية ، كما كانت تدين بها قبيلة طي ، ومن الذين يدينون الله بملة إبراهيم من قريش هم بنو هاشم بن عبد مناف إلا ما شذ منهم مثل ( أبي لهب ) عبد العزى بن عبد المطلب ، حيث صاهر بني أمية ودان بدينهم . وكثير من بني زهرة ، وبني أسد ، كانوا من الأحناف يدينون الله بدين إبراهيم الخليل (عليه السلام)، ومنهم السيدة خديجة بنت خويلد كانت تدين الله بالحنيفية ، وكذلك ابن عمها ورقة بن نوفل الذي دان بالنصرانية بعد أن كان حنيفيا . وكذلك السيدة آمنة بنت وهب وأهلها من بني زهرة والدة النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والسيدة فاطمة بنت أسد الهاشمية وأهلها والدة الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وغيرهم كما يؤيد ذلك الزيارات الواردة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) بقولهم:

"أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة ، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها" .

ولا يمكن عقلا ، وشريعة ، وسليقة ، أن يولد حماة الدين من أصلاب المشركين ، أو الأرحام المدنسة بأنجاس الجاهلية ، وقد قال الله سبحانه وتعالى:(لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ)، والشرك هو الظلم بعينه ، وشاء الله الحكيم أن يحفظ رحم السيدة الطاهرة خديجة الكبرى ليكون وعاء طاهرا لصلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحتوي النطف الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وأشقائها القاسم وعبد الله المكنى بالطيب والطاهر ، وقد توفاهما الله لحكمته وهم أطفال ، وما أنجبت خديجة غيرهم .

عن ابن عباس أنه قال : أول مَن آمن برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الرجال علي (عليه السلام) ومن النساء خديجة (رضوان الله عليها) ، وصدقت بما جاء منه ، فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له ، فيحزنه ذلك ، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه ، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس.

كان لخديجة رضي الله عنها مواقف مع زوجها كثيرة  ، فلا تذكر قصة الوحي والبعثة إلا وهي معها مذكورة ومن فضائلها المروية عن أئمة المحدثين الكبار ، في كثير من كتب السنن والسير والآثار ، انه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكثر من ذكرها ، وينشر بين الجميع طيب خبرها وحسن برها ، ويثني عليها أحسن الثناء ، ويستغفر لها الله ويكثر لها من الدعاء ، ويتحدث عن ما لها من الشرف والفضل والكمال ، ويسترسل في ذلك الحديث دون ملل ولو طال ,

ومن فضائلها ايضاً  إن رب العزة أرسل إليها مع جبريل السلام ، فقال : "يا محمد هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه إدام وطعام ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربها ومنى السلام ."، فلما بلغها قالت :" الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبريل السلام ."، وقد ثبت ذلك عن الشيخين ، في كتابيهما المعروفين بالصحيحين .

 ومن خصائصها (رضي الله عنها) ما رواه الشيخان ، إن جبريل بشرها ببيت في الجنان ، إذ قال ذلك الملك المكرم ، للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :"بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب  فيه ولا نصب " ولم ترض أن تتركه الرسول صل الله عليه واله وسلم  لما قاطعه اهل مكة  ، فخرجت عن بيتها الرفيع ، ومقامها المنيع ، ودخلت معه الشعب فكانت من جملة المحصورين ، ولم تبال بسنها الذي زاد على الستين ، رغبة في متابعة سيد المرسلين ، فاستبدلت حياة العز والرفاهية ، بتلك الحياة الخشنة القاسية ، وكم ذاقت معهم مرارة العطش والجوع ، إذ كان الطعام والشراب عن الجميع ممنوع ، فيحق للتاريخ أن يحني رأسه أمام جلالها ، ويتوج صحائفه بكريم فعالها ، والحاصل أن فضائلها لا تعد ، ومناقبها لا تحد.