مسلم بن عقيل (عليه السلام)
اول الشهداء :
سفير الحسين مسلم بن عقيل (ع)
لم تصرح المصادر التأريخية بيوم ولادته بالتحديد ولكن هناك بعض القرائن تدل على انه ولد سنة 25 هجرية وذلك لان اكثر المؤرخين واهل السير الذين كتبوا في واقعة الطف يذهبون الى انه استشهد في الكوفة وكان له من العمر 35 سنة كما ذهب الى ذلك الببهقي في باب الانساب وغيره الكثيرون وهناك بعض المصادر تذهب الى انه كان له من العمر 38 سنة وان البعض ذهب الى اكثر من هذا العمر وهو المرجح عند اهل السير.
امه أم ولد اسمها عليّه وقيل انها من ملوك النبط تزوج بها عقيل بن ابي طالب (رض)واولدها مسلماً عليه السلام كما ان لعقيل ابن ابي طالب اولاد اخرين لنساء شتى ولكن افضلهم وأجلهم واعلمهم (مسلم) عليه السلام هذا ما اتفق عليه كل من كتب في السيرة واحوال الرجال اشرقت المدينة المنورة بيوم ولادته وفرح لمولده آل عبد المطلب وبالأخص آل ابي طالب نشأ وترعرع في كنف عمه امير المؤمنين عليه السلام وابيه عقيل ابن ابي طالب ولما وجد الامام امير المؤمنين عليه السلام في مسلم (ع) بعض المؤهلات التي تجعله في مقدمة الرجال من استعداداً للعلم وبطولة وشهامة أعار له اهتماماً واغدق عليه من علومه واصبح موضع عنايته وجعله احد رجال دولته الذين يعتمد عليهم في المهمات .
فقد اشارت اكثر المصادر التأريخية ومن كتب في واقعة الجمل ان مسلم بن عقيل (ع) كان قد شارك فيها الى جنب بني عمومته مثل الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس وغيرهم واصبح مسلم عليه السلام يُعد في طليعة الرجال في العلم والشجاعة ودفع المهمات ومن يعتمد عليه في بناء الدولة التي ارادها امير المؤمنين عليه السلام ان تكون مثالاً بكل أبعادها في العلمِ والعمل.
وكذا تحدث الاخيار بأن مسلم بن عقيل عليه السلام أشترك في حرب صفين وكان أحد القادة في هذه المعركة وان هذه الحروب اكسبت مسلماً ثقةٍ بالنفس وقوة جنان ورباطة جاش هذا مما هو معهود عند بني هاشم من قوة وشجاعة وفروسية توارثوها عن الاباء والاجداد فالحروب كانت لهم اختبار وميدان لأظهار تلك الشجاعة وثبات العزيمة وقوة الايمان .
وبعد استشهاد الامام امير المؤمنين عليه السلام آل امر مسلم عليه السلام الى الامام الحسن عليه السلام وأخيه الامام الحسين عليه السلام .
فمسلم عليه السلام تربى في كنف ثلاثة من الائمة صلوات الله عليهم لذا عندما جاءت كتب أهل الكوفة الى الحسين عليه السلام نظر في آل عبد المطلب رأى أن الاكفأ والاجدر لهذه المهمة مهمة السفارة أبن عمه مسلم بن عقيل عليه السلام فوقع اختيار الحسين عليه السلام عليه وارسله أليهم وجاء في كتابه :
(( إني باعثٌ أليكم أخي وأبن عمي وثقتي مسلم بن عقيل فأسمعوا له وأطيعوا ))..
فمسلم عليه السلام هو ثقة الحسين عليه السلام وأيها من سمه ومن صفه أعطاه الحسين أياها أذ أصبح ثقة الامام المعصوم وهذا هو ماتوصل أليه نتيجة سيرته المقدسة وكفاحه من اجل الاسلام أيام حياة الامام امير المؤمنين عليه السلام ومعاصرته له فقد هيأه الامام عليه السلام ان يكون اخر عمره الشريف ثقة الامام المعصوم .
وقام بتلك المهمة خير قيام وسيطر على الكوفة وهي في ذلك اليوم حاضرة البلاد الاسلامية ومرتكز الطوائف والاديان والقوميات على سعة رقعتها الجغرافية وهذا مما يدل على حنكة مسلم بن عقيل عليه السلام وكفائته.
استشهد عليه السلام بعد ما آلت اليه الامور من انقلاب في الظروف السياسية بدخول عبيد الله بن زياد (لعنه الله) بعد مامر على الكوفة من مخاض عسير في ايامه مما ادى الى استشهاد الرائد الاول للدعوة الحسينية و ناصره زعيم مذجح ومراد هاني بن عروة الذي وقف الى جانب مسلم عليه السلام امام الحزب الاموي الحاكم في ذلك اليوم وامام شراسة وفضاضة عبيد الله بن زياد (لعنه الله) الامير المتهرأ الجلاد.
بعد استشهاد مسلم بن عقيل (ع) وهاني بن عروة (ع) امر ابن زياد لعنه الله بدفنهما بالقرب من دار الامارة لتستمر رقابة الشرطة عليهما فلا يقصدهما احد بالزيارة ولايحضر هناك مؤبن لهما ولاتلم بهما النوادب لانه يعلم ان الكوفة بطبعها الاول هي علوية الرأي ان سيطر عليها اليوم بالحديد والنار وغياب الرجال ووضع الاحكام العرفية فأنها ستستيقظ غداً وتعاد لها حيويتها وما جبلت عليه من حبها لعلي بن ابي طالب واهل البيت صلوات الله عليهم فأن تأثرت الكوفة بالسياسات الزمنية اليوم لكنها ستراجعها نفسها بمرتكزها الاول فيغزوها الندم وتتحول تلكم الهواجس الى ندباً وتأبيناً واخذاً للثأر كما حدث ايام ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صُرد الخزاعي وايام المختار الثقفي رضوان الله عليهما وكما ثارت الكوفة مع زيد الشهيد رضوان الله عليه فهذه هي الكوفة بين مدٍ وجزر ولكن لا تفقد روح الولاء لاهل البيت انما تضعف تارة وتقوى تارة اخرى بفعل الحركات والمناخات السياسية والظروف الحاكمة في كل عصر وزمان .
فأبن زياد يعرف هذا المعنى في الكوفة لذا بادر الى دفن الجسدين بالقرب من دار الامارة ليكون اقرب واسهل للرقابة عليهما فدفنا بباب المسجد متقابلين ( فصلوات الله عليهما يوم استشهدا ويوم يبعثا حيين ).
العمارات المتتالية :
لقد توالت العمارات على مرقد سيدنا مسلم بن عقيل عليه السلام ..
وقد ذكر لنا الرحالة أبن جبير انه في سنة 580هـ زارَّ مدينة الكوفة وشاهد فيها آثار جميلة منها الجامع الاعظم فقد وصفه بأنه ما روي في الارض مسجد اطول اعمدة منه ولا اعلى سقفاً ثم يقول وفي الجهة الشرقية من الجامع بيت صغير يُصعد اليه فيه قبر مسلم بن عقيل بن ابي طالب عليه السلام ومما يستشف من كلامه ان ارض الحضرة المقدسة لمسلم بن عقيل عليه السلام كانت اعلى من أرض المسجد .
ثم ان الرحالة الكبير ابن بطوطة ذكر المرقد الطاهر ايضاً فبعد ان وصف المسجد قال وفي الجهة الشرقية من الجامع بيت مرتفع يُصعد إليه فيه قبر مسلم بن عقيل عليه السلام كما وقد اشار الى قبور اخرى خارج الجامع لبعض الفواطم وذلك في سنة 725هـ ثم توالت العمارات فوضع شباك على المرقد الطاهر وان آثاره موجودة الى زمن قريب فقد روى البحاثة المشهور الشيخ محمد حرز الدين في كتابه مراقد المعارف ان رئيس السدنة اطلعه على شباك قديم مصنوع من النحاس وعليه ابيات للشاعر عبد الله بن الزبير الأسدي وهناك انقاض شباك تعود الى سنة 1055هـ وكانت المتبرعة بهذا الشباك (( المرأة الجليلة أم افاخان العثماني )) .
كما انه كتبت قصيدة بالشعر الفارسي على الشباك في مدح ورثاء مسلم بن عقيل عليه السلام وهناك صخرة بيضاء اللون الظاهر انها كانت مبنيه على باب حرم مسلم بن عقيل عليه السلام ثم بعد ذلك وضعوا شباكاً فضياً صغيراً على المرقد الطاهر .
اما القبة أيضاً توالت عليها العمارات الى ان اصبحت قبل مرجعية السيد الحكيم رحمه الله قبة عالية البناء زرقاء فرشت بالحجر القاشاني .
التخطيط الآلهي :
(( يريدوا ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله ألا ان يتم نوره ))
صدق الله العلي العظيم
إرادة الله سبحانه فوق ارادة البشر فقد اراد عبيد الله بن زياد لعنه الله ان يضيع معالم القبرين الطاهرين وان يشدد عليهما بالمراقبة وحتى لايختلف عليهما الزوار فدفنهما بجانب المسجد متقابلين لكن الله سبحانه كانت ارادته فوق كل هذا اذ جعل من المرقدين الطاهرين لسيدنا مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني بن عروه رضي الله عنه منطلق اشعاع ومحط قوافل الزائرين واصبحا كالدرتين الى جانب المسجد المعظم فالمسجد روضة من رياض الجنة وقبور الشهداء كذلك فاراد الله سبحانه ان تتسع هذه الروضة وتصبح أكثر أهمية فأصبحت هذه البقعة منطلق النور ونبض الحياة لهذه المدينة المقدسة حتى تاسست فيها اقدس جامعة في العالم وهي جامعة الامام الصادق عليه السلام التي بقت خالدة الى يومنا هذا وما حوزة النجف الاشرف الا هي امتداد لتلك الجامعة العظمى التي وضع لبانتها الاولى الامام الصادق عليه السلام في الجامع الاعظم .
أزائر أكناف الحمى أبدأ بمسلمٍ
وعج لعليٍ غوث كلَ دخيلِ
فأن عليَّ المرتضى بابُ أحمدٍ
وبابُ عليٍ مسلم بن عقيلِ
تذهيب القبة المباركة :
في سنة 1384 هجرية تقدم جماعة من المؤمنين وسادن المرقد الحاج الشيخ طعمة ياسين الكوفي بطلب الى المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم رحمه الله وطيب ثراه لتذهيب قبة اول الشهداء مسلم بن عقيل عليه السلام فارسل رضوان الله عليه من يعتمد عليهم من الصاغة وغيرهم من اهل الخبرة للنظر في تذهيب القبة وماتحتاجه من التعمير فاخبروا سماحته بتصدع القبة وانخفاضها مضافة الى صغر الحرم الشريف وطلبوا منه السعي في توسيع الحرم وبناء قبة جديدة مرتفعة البناء وما ان عرف الوجيه الحاج محمد رشاد ميرزا برغبة السيد الحكيم وتصديه لذلك جاء اليه وطلب منه ان يتولى بناء المرقد المطهر على نفقته الخاصة وان يكون تذهيب القبة على السيد الحكيم فأودع السيد مقدار من المال لهذا الغرض وجلبوا جماعة من المهندسين لوضع التصاميم وما يحتاجه المرقد فقد كان الشروع ببناء المرقد في سنة 1385 هـ فقد انشأ حرماً مقدساً فوقه قبة شاهقة البناء بارتفاع 18م عن سطح الحرم وعن الارض 28م كما انشأ رواقاً يحيط بالحرم من ثلاثة جهات ويتصل بقبر المختار الثقفي رحمه الله .
ثم بنا طارمة بارتفاع 10م يتناسب وبناء المرقد من الارتفاع والضخامة كما وتبرع بالزخرف الزجاجي للقبة من داخلها اما القبة المباركة فقد طلب المحسن الكبير مثال الخير والوفاء محمد رفيع حسين معرفي بطلب الى السيد الحكيم رحمه الله على ان يتولى تذهيب القبة من ماله الخاص فاجابه السيد الى ذلك وكان الشروع في العمل يوم 28 ربيع الاول سنة 1387هـ وقد طلب السيد الحكيم من فضيلة السيد موسى بحر العلوم رحمه الله نظم فصيدة تكتب بالذهب في الكتيبة المطوقة للقبة المطهرة فأنشأ رحمه الله قصيدة مبيناً فيها تاريخ القبة بقوله:ـ
من شمس انوار الولاية أرخو
كالبدر أشرق نور قبة مسلم
وكذا قد امر السيد الحكيم طاب ثراه بعمل شباكاً فضياً لمرقد مسلم بن عقيل (ع) ومما يتناسب وقدسية المرقد وجلالته وفي نفس الوقت ايضاً امر بشباك الى مرقد القاسم ابن الامام موسى بن جعفر عليه السلام وللسيد محمد بن الامام الهادي عليه السلام .
وقد نصبت هذه الشبابيك على المرقدين الطاهرين لمرقد القاسم بن الامام موسى بن جعفر عليه السلام ومرقد السيد محمد بن الامام الهادي عليه السلام .
اما مرقد مسلم بن عقيل (ع) لم يوضع الشباك عليه حيث ان ابعاده 2.5م×3.5م وهو لا يناسب حجم المرقد الطاهر فبقى على ماهو عليه لحد الان .
زر مسلماً ان كنت حقاً مسلما
فالدين والايمان فيه تجسما
والتم ضريحاً ضم أقدس هيكل
للحق فيه الارض طاولت السما